الطاغيه وزوجته

[فهد الحربي]

ايلينا تشاوشيسكو زوجة الطاغيه الروماني امرأة حكمت شعبها بالحديد والنار وكانت طموحاتها المدمره أكبر كثيراً من إمكانات زوجها الديكتاتور احتلت المركز الثاني بعد رئيس الدولة وأطلقت على نفسها سيدة رومانيا الأولى وأم الرومانيين ولكنها وصفت شعبها (بالديدان)
أما زوجها تشاوشيسكو فقد عاش حياة الأباطرة والملوك هو وأسرته ورجال نظامه المقربون إليه حياة أسطوريه بكل المقاييس شملت أنواع البذخ والترف في الوقت الذي يعاني فيه الشعب الروماني أزمة اقتصاديه طاحنه ويعاني الفقر والظلم والفساد
كان الطاغيه يستورد أفخر الملابس والمستلزمات والماركات بينما معظم الشعب حافي القدمين وعراة وكانت أجهزة الأمن الخاصه تشرف على استيراد المواد الخام من مختلف دول العالم كما كانت تشتري ملابسه لمدة عام هو وزوجته من حسابين سريين باللجنة المركزيه للحزب الشيوعي وأجهزة الأمن والصرف على احتياجات الرئيس الروماني الخاصه وكان يتم تخزين هذه الملابس في استراحاته الخاصة الكثيره
وكان الرئيس الروماني لايلبس البدله إلا مرة واحده وكذلك الحذاء لمدة يوم واحد فقط ثم يختم على كل من البدله والحذاء بخاتم خاص حتى لايتم استخدامها مرة أخرى ثم تجمع في حقائب من البلاستيك حيث يتم حرقها في أفران خاصه بالرئيس!!!
وقد ظل الطاغيه في خوف دائم طوال فترة حكمه المستبد فكان يتم تعقيم أغطيه سريره وملابسه الداخليه كما كان يتم تحليل طعامه في معمل قبل تناوله
أما بالنسبة لزوجته ايلينا فقد تم أفتتاح أقسام نسائيه من أجلها في المتاجر الكبرى حيث كانت تقتني ثيابها بالجمله حتى أصبح مخزون ملابسها الفاخره من الفراء وغيرها يفوق مخزون الرئيس الروماني إلى جانب اقتنائها للمجوهرات الثمينه التي تفوق الخيال من كبرى محلات أوروبا.
أصيب تشاوشيسكو بجنون العظمه كان يطلق على نفسه القائد العظيم الملهم ودانوب الفكر والمنار المضيء للإنسانيه وابن الدانوب والعبقري والأصبع الذي يعرف كل شيء ..كما كان الطاغيه يصف نفسه بأنه الدولة ويؤمن بأن له مهمه تاريخيه أدخل الرعب بحكمه البوليسي المستبد إلى قلوب 23 مليون روماني
كان لايقبل أي انتقاد لسياسته ولحكومته ولم يكن يبدي رحمه تجاه معارضيه
وكانت تتملكه شهوة الانتقام فيكلف بعض كبار معاونيه بتصفية من يعارضونه علنآ داخل البلاد أو خارجها فاغتأل المعارضة داخل الحزب وفي البلاد إلا مجموعة قليله من المثقفين السلبيين الذين لا يتحركون خوفاً من طغيانه ومصيرهم المجهول فإما الموت بطريقه خاصه غامضه أو يتم تصديرهم إلى الغرب..وهكذا تم عزل أو طرد كل من يحتمل أن يكون معارضاً في يوم من الأيام وتم سحق الاضطرابات والاحتجاجات بوحشيه وارتبط استخدام الحكومة للعنف ضد المعارضه والمنتقدين بتقديم المغريات لكل من يبدي استعداداً لمسايرة الاوضاع القائمه وتشمل هذه المغريات الشقق الفاخره والوظائف القياديه والسلع النادره
كان شعاره هو (الاشتراكيه في عائلة واحده) وبإسم هذه الاشتراكيه كانت العائله الواحده عائلته فقط فقد زرع أربعين من أسرته في أهم المناصب القياديه للدوله فعين أشقاءه وأقارب زوجته في مناصب نائب وزير الدفاع ونائب وزير الداخليه ومسؤول لجنة التخطيط ورئيس تحرير صحيفة الحزب وغيرها.
وفي كل مناسبة كان تشاوشيسكو ينتهز الفرصة ليبين للشعب الروماني أنه الزعيم المنقذ الملهم ففي عام 1970 هدد الفيضان رومانيا فسارع إلى ارتداء بدلة رئيس الإطفاء وحينما تسربت المياه من سد الدانوب سارع لارتداء ملابس كبير المهندسين وقد وصفته الصحف الرومانيه الرسميه بأنه الزعيم الملهم الذي استطاع أن يحمي السد.
وما لم يعرفه تشاوشيكو أو لم يسمعه (وهذه سمة الحاكم الديكتاتوري)
إن طاغية مستبداً مثل (نيرون) الذي أحرق روما وظل يلعب بالعود على أوتار نيرانـها كان الشعب يصفه بالوحش الكاسر الذي يسفك الدماء ويمتصها.
أما جماعة المنافقين والطبالين ومعاوني السلطه فكانت تتحدث عن عصر تشاوشيسكو الذهبي الذي لم تشهد مثله رومانيا من قبل ولن تشهد بعده هذا الرخاء الزائف.
كان تشاوشيسكو يصف نفسه بأنه الدوله..وكان يعشق نشر صوره في جميع وسائل الإعلام والصحافه.
وكان التلفزيون لايذيع إلا أخباره ومقابلاته هو وزوجته فهو النظام وهو الدوله ولا أحد من بعده.
وقد كلف جماعة المنافقين والمداحين من معاوني السلطه أن تتحدث عنه باعتباره (بوليوس قيصر) و (الاسكندر الأكبر) و (نابليون) و (أوليفر كرومويل) و (إبراهام لنكولن) هو كل هذه الزعامات التاريخيه..هو كل محاسن هؤلاء وإيجابياتـهم وإنجازاتـهم لشعوبهم في شخص واحد هو... (تشاوشيسكو)
ومن هذه الجماعة شاعر البلاط الروماني (أدريان باونسكو) عاش ينعم بهذا اللقب طوال سنوات حكم الديكتاتور كانت جميع قصائده تمجيدآ في عظمة ابن الدانوب تشاوشيسكو وقد حصل هذا الشاعر على فيلا بها عشر غرف وحديقه واسعه وحمام سباحه وحمامات ساونا وكل وسائل الترف التي لم يسمع عنها الشعب الروماني

وفي يوم 22 ديسمبر 1989 كانت إرهاصات الثورة ضد تشاوشيكو قد بدأت وتوهم باونسكو أن الفرصه قد حانت لكي يثبت لسيده ولاءه وخضوعه فتوجه إلى ميدان الجمهوريه في بوخارست وحاول أن يقرأ قصائده الساقطه ليقنع الجماهير بالتراجع عن ثورتهم ضد الديكتاتور لكن صرخات الغضب والسخريه كانت هي رد الجماهير على محاولته الفاشله ولما حاول الهرب طارده الشعب وانهالت عليه الجماهير ضربا وكادوا أن يفتكوا به لولا تدخل الجيش لإنقاذه من أيديهم.