عرش الجمال الخالد

[فهد الحربي]

سيدتي الجميله أين أنت من الغيد الحسان؟ من الغواني اللواتي استغنين بجمالهن عن كل زينه ؟ أين أنت من سحرك ومن جمالك الفطري الوضاء الباهر؟ الذي دفع بالبعض إلى أن يقف مشدوها أمامه ولاسبيل له غير الصمت لذهوله أوالإعلان الصريح عن انبهاره بذلك الجمال كالشعراء والأدباء حتى العلماء والزهاد الشباب منهم والشيوخ..كل هؤلاء عبروا عنك بشتى الطرق لدرجة أن البعض اندفع مقدمآ الأعاجيب لجمالك يا سيدتي منذ العصر الجاهلي حتى يومنا هذا ومع فارق الزمن والذوق من منا يكره الجمال؟ ومن منا يفضل القبح أو البشاعه؟ بالطبع لايوجد من يبغض الجمال ويفضل البشاعه وإلا كان مختلآ في عقله وذوقه وعلى عكس الطبيعه فالجمال متفاوت والذوق متفاوت والحكيم يقول: كل النساء حسنهن واحد لايوجد من هي أحسن من الأخرى) وهو يقصد أن الجمال متنوع ومتعدد الأشكال ولاتوجد امرأة كاملة في حسنها فالكمال لله وحده.
كنت يا سيدتي الجميله عنوان الجمال المتميز وليس أدل على ذلك وصف رجل من غطفان لك عند الخليفة الأموي (عبد الملك بن مروان) بأوصاف خياليه حتى تعجب الخليفه قائلآ: (ويحك ومن أين أجدها؟ ) فقال له: (تجدها في خالص العرب أو الفرس)
سيدتي أين أنت اليوم من اللواتي صرعن (جرير) حتى قدم لنا بيتين من أروع ما قيل في الغزل ذلك الوقت، إذ قال:
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لاحراك به
وهن أضعف خلق الله إنسانا
تلك العيون الكواحل التي لم تستخدم كحل (شانيل) أو ألوان التظليل من (استيه لودر) تلك العيون التي لم تعرف العدسات الملونه الخضراء والزرقاء والبنفسجيه.. تلك العيون لم تعتد سوى الكحل العربي السائد ذلك العصر..نحن لانطالبك باستخدام الميل العاجي والمكحله إنما لكل عصر ميزاته وعجائبه والحكمة تقتضي الاعتدال في كل شيء.
سيدتي الجميله أين أنت من هريره حين وصفها الأعشى بقوله :
غراء فرعاء مصقول عوارضها
تمشي الهوينا لاريث ولاعجل
تلك الغراء بيضاء الجبين الفرعاء المسترسله الشعر لم يكن يوما ضحية الأصباغ وخصوصاً اللون الأصفر..تلك الفرعاء التي لم تجلس يومآ تنتظر دورها عند الكوافيره التي تلعب بشعرها كالمجنونه يقول الحكيم (إن من تصبغ شعرها لتخدع الناس تعتاد الخداع في كل شيء فلا تجعلي هذه النظريه تنطبق عليك وكم من كثيرات يصبغن ولم يعتدن الخداع ولايعرفنه)
سيدتي الجميلة أين أنت من أسماء والمرقش يحتضر بين يديها وكانت آخر كلماته أبياتا تضم وصفآ بأنـها أسيلة الخدين ذات فرع وجيد.. أنت التي جعلت (عبد الله بن عجلان) يسقط ميتآ عندما التقت عيناه بمحبوبته (هند) وهو القائل:
غراء مثل الهلال صورتها
أو مثل تمثال صورته الذهب
تلك الطلة البهيه..تلك العروبه المتاصلة في شخصيتك... تلك البيئه التي درجت بها منذ طفولتك حتى صباك وعشت بين ثناياها من صحاري وهضاب ووديان وسهول طبعت فيك رمزاً من رموز الجمال الفريد..غير أن اليوم وفي عز شبابك لايرى منك سوى كتلة من المساحيق والأساس الكونسيلر والبلاشر تدل على ارتيادك الدائم لصالونات التجميل والتي يطلق عليها البعض (ورشة الإصلاحات النسائيه)
وفي الحقيقة إذا فقدت المرأة جمالها عمدت إلى الجمال الاصطناعي ولكن لن يعوضها عن جمالها الطبيعي شيء لا تؤكدي هذه الحقيقة على نفسك خصوصآ بعد (التاتو) الوشم المؤقت للشفاه والعيون يقول (برناردشو): إذا وجدت امرأة غير جميله فذاك ذنبها أن المساحيق خلقت لتكون كل النساء جميلات إذا قد يفهم البعض أن المساحيق للقبيحات فقط ولكنها لجميع النساء لزيادة الجمال ولايوجد من يعارض استخدام المساحيق ولكن استخدميها بحدود المعقول حتى لاتظهري بصورة (البعبع) حيث إن هناك الألوان والمواد الراقيه والمضمونه وهناك أيضاً حسن استغلال وتطويع لتلك المواد والمساحيق لتقدمي لنفسك صورة ترضيك وليغرك صورة لايرتاعون منها هم وأطفالهم كما هو الحال في صورة (البعبع) قدمي مظهرآ مشرقآ لا باهتآ أو منطفئآ إنما يوحي بالصحة والعافيه.. عرفناك سيدتي الجميلة بصفاء بشرتك ونقائها..عرفنا شفاهك بلونـها الأحمر الطبيعي وليس الفضي أو البني الشاحب..عرفنا أناملك الرقيقة بشفافية أظافرها ولم نعلم يومآ أنها كحيلة ودمويه من أصناف الطلاء العجيبه.. تقول إحدى النساء في أوروبا ويطلق عليها مدام نتالي: إذا أردت الترويج لأي شيء أعرضه على النساء أولا فسيقبلن به لأنهم جاهلات ويذعنه على الناس لأنهن ثرثارات وأخيرا ًيدافعن عنه لأنـهن عنيدات.. لا تسمحي يا سيدتي لأي شخص مهما كان أن يحكم عليك هذا الحكم. فهذا تعميم لايجوز على الجميع أتعتقدين يا سيدتي أن المرأة العربية لم يكن لديها ما عندك اليوم من ألوان وضروب التجميل؟ لقد كان لدى المرأة العربية فنون من التجميل العجيبه من التكحل والتنميص التزجيج، والتفليج والوشم والوصل الخضاب والتلميه ولكنها للواتي حرمن الجمال وما أكثر ما شاهدناها غانيه مستغنية بجمالها وآلها وخلالها وخلقها ومنطقها.. ثقي تمامآ أن جمالك في مذهبك وليس في ذهبك ومظهرك كوني رمزاً للجمال المعنوي أنت الأم والأخت والزوجه والابنه.. كوني كالمتوجه في مملكتك السعيده لا كالسلعه المتبادله تلبسين قميصآ مرقعآ باسوا لقاء عالمي للألوان فقط لأنه مجرد ماركه..تحملين حقيبه طبع عليها شعار الماركه المنتجه لها فقط لأنـها من (فرساتشي) أو غيرها..لا تسمحي لنفسك يا سيدتي بأن تكوني كبعض المواقع كلها إعلانات تمشين وكأنك تروجين لهذه الماركات يقول أحد مصممي دور الأزياء نحن نصدر منتجاتنا للشرق ولكن بعد طبع اسم الماركه عليها بشكل بارز وملفت للنظر فهذا الذي يعجب الشرقيه بريق الذهب وغلاء سعره)
كيف لهذا الشخص أن يحتال ويحكم على الشرقيه بمثل هذا وكيف لبعض السيدات الجميلات أن يدخلن المحلات ويشترين منها لأنها ماركة ممتازه جيده وخاماتها لامثيل لها مثل بيركاردان وكشاريل أو ماكس مارا وهذا أمر مستحب ويدل على حسن الذوق غير أن الواحده ترتديها وهي لاتكاد تناسب قوامها إما لشدة النحف أو لشدة السمنه بسبب ارتياد المطاعم والتهام الفاست فود!!
لسنا ممن يدعو لارتداء برد الشام وأوشحة اليمن أو العودة للمرط والميدع، الدرع والمشلح ولكن كوني كالتي بهت الشاعر حين رأى حسنها وقدها فقال:
فما هي إلا أن أراها فجأة
فأبهت حتى لا أكاد أجيب
هل كانت يا ترى تضع العدسات الزرقاء والوجه أسود متمشية مع عمر بن أبي ربيعة القائل: (زرق العيون وسود الوجوه) أم أنـها كانت تلبس فستان نينا ريتشي وكريستيان لاكروا حتى بهت وصرع الشاعر؟؟ ام هي التي صنعت الذوق بنفسها بذاتـها..نعم وبمحض إرادتها لم تجعل الموضه تخلق منها أداة ونموذجآ لابتكاراته المتطرفه.

سيدتي الجميلة لو لم تكن الموضه شيئاً قبيحآ لما اضطررت لتغييره كل موسم..هل تعلمين السر الحقيقي للحصول على الذوق الرفيع هو أن تطوعي الموضه لإرادتك أنت لتلاحقك وتناسبك وتجاربك في لونك وقوامك وفي سنك وطبيعتك الشخصيه ونمط عملك.. لا أن تلاحقيها وتتبعي كل جديد فيها سواء أكان يناسبك أم لا..؟
سيدتي الجميله ثقي تماماً بأن ثروتك تكمن في عقلك وتفكيرك ومبادئك التي تتمسكين بها إلى النهايه مهما صادفت من تيارات معاكسه ومضاده ستكونين أنت المنتصره في النهايه ما دمت قويه وغير متردده فهناك يكمن الجمال الحقيقي الروحي والشخصي الذي يفرض نفسه على جميع من يقابلونك ويجدونك وقد طرقت قلوبهم واستضفت نفسك فيها واكتسبت محبة الجميع من خلال تلك الروح البسيطه والمتواضعه
أتدرين يا سيدتي الجميله ما الذي جعل ابن الملوح وغيره يصابون بالجنون؟ هل لجمال ليلى وسواد عينيها والذي لم يكن سببآ رئيسيآ إنما لأنـها كانت أفضل نساء عصرها ادبآ وأملحهن حديثآ.. أسلوبها لبق وظريف مؤنسه ولطيفة القول وحلوة المعشر فالفرق إذآ واضح كالشمس بين الجميله وبين الجذابه..الجميله حباها الله بالنعم وقد ينقصها الخلق والروح المؤنسه.. بينما الجذابه هي التي تسلب الجميع حتى لايمكن إيجاد أي مثلب واحد فيها طالما حصلت على الرضى العام بتلك الجاذبيه يقول جان جاك روسو: (أن الجمال والثقافه أو الجمال والعقل وحسن الخلق يندر أن يتفقا في امرأة ) ولكن يمكن وجود ذلك لو أثبت يا سيدتي الجميله أنك سيئه أولآ وجميلة ثانيآ وقبل كل هذا أنت امرأة تضمك روح الإسلام الطاهره التي توجهك وتقف بجانبك في كل الحالات يقول الشاعر بشر الأسدي:
ليس المليح بكامل في حسنه
حتى يكون عن الحرام عفيفآ
فأنت إذآ المليحه..العفيفه..المسلمه والتي انحدرت من أشد أمم الأرض بأسآ وأسماها نفسآ وأرسخها في المكرمات إقدامآ وأرحبها في المجد ذراعآ.. أنت التي وثب بها الإسلام ووثبت به وانتهى بك لأبعد مدى في الرقي والتحضر ونهج لك أوضح سنة من الفضائل والبسك أحسن لبوس من جلال الكمال والخلال فالزمي عرشك الذي أنت عليه حتى تكوني السيده الأولى المتربعه على عرش الجمال الخالد.