شهرزاد الحقيقه

[فهد الحربي]

قد تعترض على طريقتي في التحليل قائلاً: أنت تتناول شخصية (شهرزاد) كما لو كانت امرأة من لحم ودم كان لها أو كان لها وجود فعلي في الحياة تتعامل معها كما لو كان واقعا ملموسآ بينما هي ليست أكثر من شخصية من وحي الخيال ابتدعها فنان قديم أو فنانون عده هي ليست موجوده ولم تكن موجوده.
اسمح لي بالرد :
لايوجد على الأرض ذلك الشيء الذي صنعه الخيال ما نسميه بالخيال ليس إلا الواقع بعد إعادة فكه وتركيبه بهدف أن يصبح أكثر واقعيه والأشخاص في الفن العظيم لهم حضور قوي وملامح واقعيه أكثر من شخصيات الواقع المعاش التي تتحرك حولنا.
الفن العظيم أكثر وجودآ من الواقع المعاش بل وأكثر من الواقع قدره على التأثير في حياة البشر وأهم ما يميز البشر ليس اللحم والدم بل الأفكار ولايتبقى منهم سوى الأفكار فكرتنا عنهم.. لايتبقى منهم سوى الحروف التي نكتبها نحن عنهم.. لايتبقى منهم سوى الصوره التي نرسمها نحن لهم وبذلك يكون لكل خيال أساس واقعي استمد منه الفنان إلهامه حتى لو كان لايعي ذلك.
شخصيات العمل الفني العظيم اكثر وجوداً وحيويه وحياة منك ومني على الأقل لأنـها قادره على البقاء للأبد..كم ألف عام سيبقى (هاملت) على قيد الحياة؟ كم ألف عام ستبقى (شهر زاد) حيه في أذهان البشر؟
ما الذي يدفع أستاذاً للأدب الألماني في جامعة أمريكيه منذ عدة أعوام لأن يتناول من فوق رفوف مكتبه خمسة وثلاثين جزءاً، هي (ألف ليلة وليلة) ليعيد كتابتها في جزء واحد بعد أن يحذف منها كل الأشعار التي أضيفت إليها في مراحل تاليه؟
لقد نادته (ألف ليله) وصاحت به وقالت له: (يا أستاذ تعال خذني أعد صياغتي جددني..أتح لي فرصة الوصول إلى قراء جدد لأنني متعة لكل العصور وأنت تحب الحياة وتحب البشر..أمتعهم بقراءتي أحكني لهم إن وجودي في هذا العدد الكبير من الأجزاء يجعلني متاحة فقط للباحثين والمتخصصين أرجوك أنا أريد أن أنزل إلى الشارع من فضلك اكتبني في جزء واحد فقط)
فرد عليها الأستاذ معتذراً : (يعلم الله أنني أحب أن أفعل ذلك ولكنه سيستغرق مني وقتاً طويلاً وإمكاناتي المادية كأستاذ جامعي لاتسمح لي بضياع هذا الوقت)
فعادت تقول: (ابحث عن منحه ودعم كثيرون يحبونني ستجد من يدعمك في هذا المشروع وستجد أيضاً الناشر الذي يرحب بهذا الكتاب)
وبالفعل حصل الأستاذ على منحة أتاحت له التفرغ لكتابة الكتاب كما وجد ناشراً رحب بنشره..هذه هي قوة العمل الفني العظيم هذا العمل الذي ينادي على البشر يصادقهم.. يحرص دائماً على الوصول إليهم في كل العصور.
بعد ذلك كله أرجوك لاتقل لي إن (شهرزاد) شخصيه خياليه بل هي واقعيه من لحم ودم وعلينا أن ندرس سلوكها على ضوء ما عرفناه لاحقآ في علم النفس والاجتماع والسياسه.
نعود إلى أختنا (شهرزاد) لقد أدركت (شهرزاد) بثقافتها الواسعه وبصيرتها القويه أن (شهريار) رجل فاشل يداري عجزه بقتل النساء بذريعة أنه (يكره) صنف النساء جميعآ بعد أن خانته زوجته هذا هو ظاهر الحكايه..هذا هو ما يحرص هو على روايته ولكن (شهرزاد) التي تعرف عن سلوك البشر أكثر مما نعرف نحن كانت على يقين أننا عندما نكره بطل هذا الانحراف فلابد أن الأسباب كامنه فينا نحن وليس في الشخص المكروه أو الصنف المكروه..وكما أدركت أيضاً أنه شخص جاهل ..بالتأكيد الجهل وحده هو الذي يدفع لهذا النوع من العدوان وأن عليها أن تعلمه هي جامعه وعليها أن تلحقه بهذه الجامعه لكي يحصل على النضج الكافي ليتخلص من عدوانه النشط.
نحن نتكلم عن التراث والهويه في كل لحظه ولكن هل نقصد حقآ ما نقول؟
لو أننا درسنا كليلة ودمنة لطلبة العلوم السياسيه في الوطن العربي لحصلنا على عدد كبير من رجال الدوله من أعلى طراز لا أعتقد أنه يوجد على الأرض كتاب مثله يعلم الحكمه الإنسانيه والسياسيه والإداريه والاجتماعيه بالطبع سيقفز لي أحد مانعي الخير ليقول لي: وهل هذا تراث عربي هو هندي..؟
لقد كانت (شهرزاد) في حكاياتـها تمتع (الزبون) وتعلمه ايضاً.. كانت تنضجه كإنسان على نار هادئه أو بمعنى أصح على حكايات هادئه ومع كل حكايه تحكيها كانت تتسرب إلى عقله معلومه حياتيه تجعله أكثر نضجاً وإنسانيه.
ولكننا نلاحظ ملحوظة غريبه (شهرزاد) تحكي لثلاثة أعوام تقريبا فهل أنجبت منه؟ هل كانت مهتمه بالإنجاب منه؟ هل كان مهتمآ بالإنجاب منها ؟ الغريب والطريف معا أن (ألف ليلة وليلة) لم تتعرض لذلك ولم تهتم به وكأنـها تريد الإيحاء بأن (شهريار) لم يدخل أصلا بـ (شهر زاد)
دعني أصل لهدف مباشره:
في المدارس والجامعات نعرف المعلومات نرصها في المخ وهو الأمر الذي يجيده (الكمبيوتر) أكثر منا ولكننا من خلال (السوالف) ومن خلال الحكايات التي نسميها في هذا العصر المسلسلات والأفلام والمسرحيات نتعلم قيم الحياة النبيله.. بالحكايات نتخلص من وحشيتنا وعدوانيتنا ونعود بشرآ أسوياء جديرين بالحياة.
أنا حزين جدا لمستوى الدراما في المساسلات والأفلام والمسرحيات في المنطقه العربيه كلها لم يعد أحد يحكي لنا شيئاً جميلاً.
أين أنت يا (شهرزاد)