|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
المرأة والحب
((المرأة والحب)) ما أكتبه هنا خاص وعلى نحو واسع ليس بأولئك الشباب الذين يتعاطون الحب كإشباع عاطفة إستعرت فجأة لدى رؤيتهم أول أنثى ولاحتى بأولئك المتعظين بنغم الحب الدافع المنتهي بقصة موت (أقصد زواج) كما يبررون فيما بعد لأنفسهم وأمام أخرى أكثر جمالآ يقعون في حبها. لا..وإنما أكتب لواحد من إثنين أولهما لمن لم يطرق قلبه حب أنثى والعكس..والآخر لمن فقد من يحب ربما سيرة حب تاريخية تؤكد لهما أن المشاعر الموشاة بالحب خالدة ومتكررة للجنسين. فتستطيع في ذكرى الحب (الفلنتاين) أن نتذكر العديد من العاشقات والعشاق الذين قضوا على مذبح العاطفة الجياشة والتوق الممض إلى لقاء الآخر وصولآ إلى التماهي معه والإتحاد به. ولنا في عالم الثقافة والأدب والفن أن نسمي عشرات النساء اللواتي تحولن إلى مصادر إلهام للفنانين والشعراء وكبار الكتاب سواء كان في دنيا العرب أو على مستوى العالم. ففي الإطار العربي نستذكر على سبيل المثال لا الحصر الأثر الذي تركته (عفراء بنت مالك) في نفس (عروة بن حزام) وحياته وشعره وأن نعدد ثنائيات مماثلة مثل (قيس وليلى) و(جميل وبثينة) و(ذي الرمة وورد) و(إبن زيدون وولادة) وحالات كثيرة يستحيل ذكرها في هده العجالة. وإذا كان العرب قد تميزوا من بين الأمم بأنهم أمة عشق وشغف بالغين لم يكن ذلك من قبيل المصادفة أو الهبة الإلهية بل إن ثمرة تلك الجغرافيا القاسية التي تقاسمها الجفاف والرمل ودم الثأر المتجدد والتي حولت المرأة إلى أمنية مشتهاة وواحة يتيمة العشب والماء وسط خراب العالم وبؤسه..على أن المرأة المعشوقة والملهمة لم تكن طبعة عربية خالصة فقط بل يكفي أن نستعرض الأدب والفن العالميين لنرى نساء كثيرات وقد تحولن إلى نار دائمة الإشتعال في مخيلات الكتاب والفنانين من (بياتريس) التي ألهمت (دانتية) إلى (كريستينا) التي ألهمت (غوتة) والمتعجرفة (ناتالا) التي ألهمت (بوشكين) و(ألسا) الفاتنة التي ألهمت (أراغون) لم تكف المرأة في كل عصر على أن تمد الرجل العاشق بأسباب الإبداع الخلاق وإيحاءاته المتوهجة وأن تنحصر تبعات الحب والإلهام في ثنائيات قليلة وشديدة التميز والفرادة ليتعدى المتوقع والعادي وهو أن تتحول المرأة بمفردها إلى ملهمة لعصر كامل وأن تهدد بالأرق والإفتتان عشرات الكتاب والشعراء والقادة والسياسيين كما حدث مع (مي زيادة) في الثلث الأول من القرن الفائت. إن المرء ليحار وهو يستعرض حياة هذه المرأة النادرة وأدبها وسيرتها في سر تلك الفتنة التي لم يفلت من شباكها أحد وذلك الحضور الطاغي الذي ترك عشرات الكتاب والعباقرة الأفذاذ يتمرغون لاهثين للحصول على رضى أو إبتسامة أو رفة هدب من إمرأة واحدة لم يبق أحد من كتاب ذلك العصر الا وكان له مقعد في صالونها بدء من (ولي الدين) و(أحمد لطفي) و(طه حسين) و(إسماعيل صبري) وغيرهم ممن وقعوا في هوى (مي) ونظموا فيها القصائد والأشعار ودبجوا رسائل العشق المؤثرة وبخاصة (العقاد) و(مصطفى صادق الرافعي) فلم يكن صالون مي زيادة هو الأول في التاريخ العربي فلقد تحدث صاحب الأغاني: (أبو علي القالي) وغيره من مؤرخي الأدب عن الدور المميز الذي لعبته (سكينة بنت الحسين) في تحفيز الشعراء وتشجيعهم والإصغاء إليهم في منزلها الخاص الذي حولته إلى ديوانية جامعة للشعراء والشاعرات وعشاق الأدب والفن لكن الموقع الإجتماعي ل(سكينة) والحساسية الدينية التي تحيط بشخصها وإسمها جعلت الرواة والمؤرخين وكتاب السير حذرين إلى أبعد الحدود في التعاطي مع أخبار (سكينة) التي إتصل بعضها ب (عمر بن ابي ربيعة) و(عهد بن مجايلية) إلا أن الوضع مع (مي زيادة) يختلف إلى أبعد الحدود فثمة شيء هارب يستعصي على الفهم في المرأة الموشاة بالأنوثة والأدب نفسه الشيء الذي إخترق الأنوثة المفرطة التي عرفت بها الأديبة اللبنانية والذي يلامس حدود الوهم والمثالية والعالم الأفلاطوني. هذا الشيء دفعها إلى تجاوز عشاقها المحسوسين والمؤلفين من اللحم والدم المجردين لكي تقع في العشق السرابي أو الصوفي الذي مثله (جبران خليل جبران) كان في داخلها نداء دائم لما يتعدى المكان والزمان والجسد والجغرافيا إلى النار المستعرة في لغة (جبران) والرغبات الرومانسية المشبوبه التي أسست لأدب المستقبل وكان الجنون وحده هو ثمرة هذا التمزق المر بين أنوثة اللحم وأنوثة اللغة والتوق إلى معانقة المستحيل. المصدر: مدونة فهد الحربي |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|