آن للنائحة أن تصمت

((آن للنائحة أن تصمت)) كانت (الخنساء) فتاة لافتة الملامح وكانت معلقة القلب بأخويها (معاوية) الذي قتل على أيدي بني مره فذهب (صخر) على فرسه الشماء يثأر له

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 05-14-2024, 01:10 AM
الصورة الرمزية فهد الحربي
فهد الحربي فهد الحربي غير متواجد حالياً
مدير عام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2014
المشاركات: 296
افتراضي آن للنائحة أن تصمت

((آن للنائحة أن تصمت))



كانت (الخنساء) فتاة لافتة الملامح وكانت معلقة القلب بأخويها (معاوية) الذي قتل على أيدي بني مره فذهب (صخر) على فرسه الشماء يثأر له لكنه طُعن طعنة قاتلة أودت بحياته بعد أن ظل طريح الفراش حوالي عام وبعض العام فحزنت عليه الخنساء كل الحزن لدرجة أنها اشتهرت بكثرة ما قالت من قصائد الرثاء إلى أن ابتلاها القدر بمصيبة أخرى عظيمة.
عاشت (الخنساء) حزينة أشد الحزن على أخويها فأجهدها البكاء على صخر وأستنفد طاقتها رثاؤه منفردآ تلك المراثي التي ذاع صيتها والتي انطلقت كصرخات قلب مقطع ممزق وأنات صدر متصدع الأنفاس ولوعة قلب تقدح كأنـها شرار من نار
فها هي تقول:
وقائلة والنعش قد فات خطوها.
لتدركه يا لهف نفسي على صخر.
ألا ثكلت أم الذين غدوا به.
إلى القبر ماذا يحملون إلى القبر.
وماذا يواري القبر تحت ترابه.
يابؤس الحوادث والدهر.
وهكذا..عاشت (الخنساء) تبكي أخاها سيد القوم..زين العشيرة الذي كان يعتبر بالنسبة لها حياتها (بل كل حياتها) إلى أن تقدم بها العمر وكبر أبناؤها وصاروا رجالآ وشبابآ وأصبحت إبنتها (عمرة) عروسة رقيقة وناعمة..وذات ليلة التقت الخنساء أبناءها الأربعة قبل أن يخرجوا مع جيش المسلمين لفتح فارس فباتت تلك الليلة توصيهم بالصبر والثبات فقالت لهم كلمات تنبع من القلب ..كلمات تفيض بالمشاعر والأحاسيس :
(يابني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين وإنكم لبنو اب واحد وأم واحدة..ماخنت أباكم ولا فضحت أخوالكم ولاهجنت حسبكم ولاغيرت نسبكم وقد تعلمون ما أعد الله تعالى للمؤمنين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين وأعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية يقول الله عزوجل: ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)
وتعود (الخنساء) التي ملأ الإيمان قلبها إلى متابعة وصيتها لأبنائها الأربعة فتقول لهم مشجعة:
فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها فتيمموا وطيسها وجالدوا رسيسها تظفروا بالغنى والكرامة في دار الخلد والمقامة.
في الصباح الباكر بعد تلك الليلة العامرة بالوصايا تقدم الأبناء واحدآ بعد الآخر ليتخذوا مواقعهم في (معركة القادسية) وهم يذكرون وصية أمهم العجوز وحاربوا بشجاعة وبسالة إلى أن نالوا جميعهم الشهادة ثم عاد الجيش الظافر بعد أن تم الفتح يحمل للخنساء مع هتاف النصر خبر استشهاد أبنائها الأربعة فما كان منها إلا أن قالت: (الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجوا من ربي أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة) ثم لم تزد..ولم يذكر لها الرواة بيتآ واحدآ ترثى به أبناءها..مع أن الخنساء كانت بإعتراف الجميع أشعر النساء بل أنها كانت تتبوأ مكانة الزعامة بالنسبة لشاعرات العرب في الجاهلية خاصة في مجال الرثاء مما عبر عن صدق عواطفها وعميق حزنـها.
العجيب أن البعض قال أن دموع المرأة وأنينها تنفس عن حزنها تنفيسآ أقوى وأبرز من الشعر..لكن ذلك يمنع أن تعبير الخنساء عن أحزانها في مراثيها قد بلغ درجة عالية من التعبير الصادق لم يستطع أحد أن يضاهيها فيه خاصة في رثاء أخيها (صخر) الذي قيل إنه قد استاثر بمعظم عواطفها والذين قالت فيه أروع قصائدها ومن بين ما قالت عنه تلك الأبيات:
يذكرني طلوع الشمس صخرا.
واذكره لكل غروب شمس.
ولولا كثرة الباكين حولي.
على إخوانهم لقتلت نفسي.
وما يبكون مثل أخي ولكن.
أعزي النفس عنه بالتأسي.
فلا والله لا أنساك حتى.
أفارق مهجتي ويشق رمسي.
فقد ودعت يوم فراق صخر.
أبي حسان لذاتي وأنسي.
فيا لهفي عليه ولهف أمي.
أيصبح في الضريح وفيه يمسي.
ومضت السنون والقرون و(الخنساء) ملء سمع الزمان ماتزال ومكانها بين فحول الشعراء ظاهر مرموق..أما بين النساء فرأى الكثرة من علماء الشعر أنه لم تكن قط امرأة قبلها ولابعدها أشعر منها وذكروا أن الشاعر (جرير) سًئل: من أشعر الناس؟ قال: أنا لولا هذه الخبيثة (يقصد الخنساء) وكان (بشار) يقول: لم تقل امرأة شعراً إلا ظهر الضعف فيه.. قيل: أو كذلك الخنساء؟ فقال: تلك فاقت الرجال.
وهكذا خلت حياة (الخنساء) من الرجال واحد تلو الآخر بعد فقدها الأب والزوج والأخ ثم الأبناء وهي قد عاشت بعد مقتلهم سنين طويلة دون أن يسمع أحد خلالها خبرآ واحدآ عنها حتى ماتت في البادية دون أن يرثيها أحد ولاحتى ابنتها (عمرة) وهي الشاعرة التي رثت والدها وأخاها وإبنها فربما لم يحزن عليها أحد وقد وجدوا في الموت راحة لها من محنة الحياة التي حفلت بالحزن والدمع والبكاء.
وتحت رمال الصحراء رقد جثمان الخنساء في مثواة الأخير حيث..آن للنائحة أن تصمت..كما آن للمسهدة الحزينة أن ترتاح وأن تهدأ.




رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:21 AM.



© جميع الحقوق محفوظة لـ فهد الحربي - fahad.alharbieer@gmail.com