عاطفة إحترام الذات

((عاطفة إحترام الذات)) كانت الفكرة السائدة في أوروبا حتى العصور الوسطى أن الكرة الأرضية منبسطة وأنها ثابتة في مكانـها..وأن الشمس هي التي تدور حولها.. الواقع ان هذه الفكرة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 05-27-2024, 09:04 PM
الصورة الرمزية فهد الحربي
فهد الحربي فهد الحربي غير متواجد حالياً
مدير عام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2014
المشاركات: 296
افتراضي عاطفة إحترام الذات

((عاطفة إحترام الذات))


كانت الفكرة السائدة في أوروبا حتى العصور الوسطى أن الكرة الأرضية منبسطة وأنها ثابتة في مكانـها..وأن الشمس هي التي تدور حولها.. الواقع ان هذه الفكرة مازال يتمسك بها أشخاص أفاضل في منطقتنا العربية وعندما وصل أول إنسان إلى القمر وحتى بعد أن ظهرت صورة الكرة الأرضية على شاشات التلفزيونات وكأنها (برتقالة) أصر هؤلاء الناس على أن الأرض من المستحيل أن تكون كروية؟
نعود الآن إلى العصور الوسطى لنتعرف على عالم هو (جاليليو) كانت إيطاليا في ذلك الوقت مقسمة إلى دوقيات وإمارات وكانت حرية التفكير والبحث العلمي ترتبط وجوداً وعدماً بشخصية الدوق أو الأمير الذي يحكم المكان..إذا كان ناضجاً وقوياً ومتفتح العقل سمح للناس في دوقيته بإعلان الأفكار التي يتوصلون إليها في العلم والفلسفة ومن حسن حظ الأستاذ (جاليليو) أنه كان يعمل أستاذاً بالجامعة في إحدى تلك الإمارات التي تسمح بحرية التفكير فأعلن في شجاعة أن الأرض كروية وأنـها تدور حول نفسها هذا الرأي لم يحدث أية متاعب في البداية وفجأة بعد تغييرات سياسية حدثت في أعلى درجات السلطة أختفت فيها وجوه وحلت محلها وجوه أخرى وجد (جاليليو) نفسه مقبوضاً عليه من محاكم التفتيش التابعه للكنيسة ومقدماً للمحاكمة بتهمة الهرطقة أي (الكفر والإلحاد) رفض الرجل التنازل عن (هرطقتة المزعومة) وأصر على أن
ماوصل إليه من نتائج علمية صحيح وأن الأرض كروية وأنـها تدور حول نفسها وهذه هي الأدلة ..وكانت وجهة النظر التي تنكر ذلك تستند فقط على دليل واحد وحيد هو أن الأقدمين لم يقولوا ذلك.
كان يعرف ما ينتظره من مصير مؤلم من جراء إصرارة على أفكارة ولكنه أصر عليها بالرغم من الترغيب والتهديد فأودع السجن ليس لمدة محددة ولكن إلى أن (يعقل) ويتخلى عن أفكارة (الإلحادية) المزعجة..وبعد حوالي خمسة عشر عاماً كف فيها بصره وغزت جسمه فيها كافة الأمراض وأصبح على بعد خطوات من الموت تدخل تلامذته لإنقاذ ماتبقى منه لكي يستفيدوا من علمه الغزير فبوجوده حراً سيكون قادراً على أن يعلمهم أشياء هم في حاجة إليها مفيدة للبشر وللبحث العلمي..أستسلم الرجل لضغوط تلامذته وقرر أن يتنازل علناً عن كل أفكاره السابقة وأن يتوب عنها.
هكذا أمام محكمة كنسية عليا مكونة من عدد كبير من أعضاء محاكم التفتيش أعلن الرجل بصوت وأهن أنه كان هرطيقاً ومخطئاً وأن الأرض لاتدور..كما أعلن أن كل الأفكار التي خطاها من قبل أكتشف الآن أنـها أفكار صحيحة تمام الصحة.
أثبتت محكمة التفتيش توبته وأطلقت سراحة لم يكن قادراً على السير أو حتى الوقوف في مكانه فحمله تلامذتة على أكتافهم وخرجوا به من قاعة المحكمة وهم في طريقهم إلى خارج القاعة وبعد عدة خطوات من منصة القضاة همس بصوت خافت ولكنها تدور ثم مات بعدها بشهور قليلة.
هؤلاء الذين تألموا وتعذبوا من أجل إعلان ما يرونه أفكاراً صحيحة أضافوا للإنسانية ثروة كبرى لعل أهمها هو دفعنا للإيمان بفضيلة الشجاعة كماعلمونا أنه حتى عندما نرغم على الصمت والتنازل في مواجهة قوى عاتية غاشمة فعلى الأقل علينا أن نهمس بالحقيقة..ولكن سؤالي الآن هو: من أين تنبع داخل الإنسان تلك الطاقة الغريبة التي تدفعك لأن تقف بمفردك أمام جحافل الباطل لتقول كلمة حق وأنت على يقين وواع تماماً بقدر العقاب الذي سيحل بك؟
هل هي الأخلاق؟ هل هو الضمير الإنساني؟ هل هي رغبة قوية في الإستشهاد؟ وعلى الضفة الأخرى ما الذي يدفع بعض البشر للفزع من الرأي المخالف لآرائهم أو للأفكار المتعارضة مع السائد..أفهم أن يغضبوا أو يتألموا ولكن كيف تفسر وحشيتهم في التعامل مع أصحاب الرأي المخالف؟
أنا أعتقد أن بعض الناس داخلهم سلطة أعلى من سلطة الضمير ومن سلطة الأخلاق..هذه السلطة هي (عاطفة احترام الذات) أو (إعتبار الذات) إنها هي نفسها ما نسميه الشرف الإنساني..هي كيان الإنسان وعمودة الفقري عندما يكذب ينتهي وجوده على الفور يتحول لشيء لذلك هم على يقين من أنهم سيفقدون بشريتهم عندما يتنازلون عن الأفكار التي يؤمنون بصحتها.
ولكن ماذا عن الجلادين الذين يندفعون في وحشية لمعاقبة مخالفيهم في الرأي ؟ ماذا في جهاز الإنسان العصبي والنفسي يدفعهم لذلك؟
أنا شخصياً أعتقد أن الدافع لذلك والمحرض على ذلك هو الغيرة..ليست تلك الغيرة البناءة بل هي غيرة مرضية تعذبهم عذاباً كبيراً فلا يجدون وسيلة للهروب من هذا العذاب إلا بتعذيب خصومهم في الرأي.
هكذا ستجد أصحاب الأفكار القديمة المستقرة لاينامون الليل بل يظلون ساهرين يفكرون في طريقة يطاردون بها أصحاب الأفكار المختلفة ومما يضاعف عذابهم أنهم على وعي بأن خصومهم يعلنون أفكاراً صحيحة وان الأرض كروية فعلآ..وانها تدور وليست الأرض وحدها هي التي تدور بل كل الدوائر تدور.



رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:37 AM.



© جميع الحقوق محفوظة لـ فهد الحربي - fahad.alharbieer@gmail.com