|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
حقيقة..شهرزاد من لحم ودم
((حقيقة..شهرزاد من لحم ودم )) قد تعترض على طريقتي في التحليل قائلاً: أنت تتناول شخصية (شهرزاد) كما لو كانت إمرأة من لحم ودم ولها وجود فعلي في الحياة..تتعامل معها كما لو كان واقعآ ملموسآ بينما هي ليست سوى شخصية من وحي الخيال أبتدعها فنان قديم أو فنانون عدة..هي ليست موجودة ولم تكن موجودة. أسمح لي بالرد : لايوجد على الأرض ذلك الشيء الذي صنعه الخيال..ما نسميه بالخيال ليس إلا الواقع بعد إعادة فكه وتركيبه بهدف أن يصبح أكثر واقعية والأشخاص في الفن العظيم لهم حضور قوي وملامح واقعية أكثر من شخصيات الواقع المعاش التي تتحرك حولنا. الفن العظيم أكثر وجودآ من الواقع المعاش بل وأكثر من الواقع قدرة على التأثير في حياة البشر وأهم مايميز البشر ليس اللحم والدم بل الأفكار ولايتبقى منهم سوى الأفكار فكرتنا عنهم..لايتبقى منهم سوى الحروف التي نكتبها نحن عنهم.. لايتبقى منهم سوى الصورة التي نرسمها نحن لهم وبذلك يكون لكل خيال أساس واقعي استمد منه الفنان إلهامة حتى لو كان لايعي ذلك. شخصيات العمل الفني العظيم اكثر وجوداً وحيوية وحياة منك ومني على الأقل لأنـها قادرة على البقاء للأبد..كم ألف عام سيبقى (هاملت) على قيد الحياة؟ كم ألف عام ستبقى (شهرزاد) حية في أذهان البشر؟ ما الذي يدفع أستاذاً للأدب الألماني في جامعة أمريكية منذ عدة أعوام لأن يتناول من فوق رفوف مكتبه خمسة وثلاثين جزءاً هي (ألف ليلة وليلة) ليعيد كتابتها في جزء واحد بعد أن يحذف منها كل الأشعار التي أضيفت إليها في مراحل تالية؟ لقد نادته (ألف ليلة) وصاحت به وقالت له: (يا أستاذ تعال خذني..أعد صياغتي..جددني..أعطني فرصة الوصول إلى قراء جدد لأنني متعة لكل العصور وأنت تحب الحياة وتحب البشر..أمتعهم بقراءتي..إن وجودي في هذا العدد الكبير من الأجزاء يجعلني متاحة فقط للباحثين والمتخصصين أرجوك أنا أريد أن أنزل إلى الشارع من فضلك أكتب عني في جزء واحد فقط) فرد عليها الأستاذ معتذراً : (يعلم الله أنني أحب أن أفعل ذلك ولكنه سيستغرق مني وقتاً طويلاً وإمكاناتي المادية كأستاذ جامعي لاتسمح لي بضياع هذا الوقت) فعادت تقول: (أبحث عن المنحة والدعم هناك كثيرون يحبونني ستجد من يدعمك في هذا المشروع وستجد أيضاً الناشر الذي يرحب بهذا الكتاب) وبالفعل حصل الأستاذ على منحة أتاحت له التفرغ لكتابة الكتاب كما وجد ناشراً رحب بنشره..هذه هي قوة العمل الفني العظيم هذا العمل الذي ينادي على البشر يصادقهم.. يحرص دائماً على الوصول إليهم في كل العصور. بعد ذلك كله أرجوك لاتقل لي إن (شهرزاد) شخصية خيالية بل هي واقعية من لحم ودم وعلينا أن ندرس سلوكها على ضوء ماعرفناه لاحقآ في علم النفس والاجتماع والسياسة. نعود إلى أختنا (شهرزاد) لقد أدركت (شهرزاد) بثقافتها الواسعة وبصيرتها القوية أن (شهريار) رجل فاشل يداري عجزه بقتل النساء بذريعة أنه (يكره) صنف النساء جميعآ بعد أن خانتة زوجتة هذا هو ظاهر الحكاية..هذا هو مايحرص هو على روايته ولكن (شهرزاد) التي تعرف عن سلوك البشر أكثر مما نعرف نحن كانت على يقين أننا عندما نكره بطل هذا الإنحراف فلابد أن الأسباب كامنة فينا نحن وليس في الشخص المكروه أو الصنف المكروه..وكما أدركت أيضاً أنه شخص جاهل..بالتأكيد الجهل وحده هو الذي يدفع لهذا النوع من العدوان وأن عليها أن تعلمه هي جامعة وعليها أن تلحقه بهذه الجامعة لكي يحصل على النضج الكافي ليتخلص من عدوانه النشط. نحن نتكلم عن التراث والهوية في كل لحظة ولكن هل نقصد حقآ مانقول؟ لو أننا درسنا (كليلة ودمنة) لطلبة العلوم السياسية في الوطن العربي لحصلنا على عدد كبير من رجال الدولة من أعلى طراز لا أعتقد أنه يوجد على الأرض كتاب مثله يعلم الحكمة الإنسانية والسياسية والإدارية والاجتماعية بالطبع سيقفز لي أحد مانعي الخير ليقول لي: وهل هذا تراث عربي هو هندي؟ لقد كانت (شهرزاد) في حكاياتـها تمتع (الزبون) وتعلمه ايضاً.. كانت تنضجة كإنسان على نار هادئة أو بمعنى أصح على حكايات هادئة ومع كل حكاية تحكيها كانت تتسرب إلى عقله معلومة حياتية تجعله أكثر نضجاً وإنسانية. ولكننا نلاحظ ملحوظة غريبه (شهرزاد) تحكي لثلاثة أعوام تقريبآ فهل أنجبت منه؟ هل كانت مهتمة بالإنجاب منه؟ هل كان مهتمآ بالإنجاب منها ؟ الغريب والطريف معآ أن (ألف ليلة وليلة) لم تتعرض لذلك ولم تهتم به وكأنـها تريد الإيحاء بأن (شهريار) لم يدخل أصلآ بـ (شهرزاد) دعني أصل لهدف مباشرة: في المدارس والجامعات نعرف المعلومات..نرصها في المخ وهو الأمر الذي يجيده (الكمبيوتر) أكثر منا ولكننا من خلال (السوالف) ومن خلال الحكايات التي نسميها في هذا العصر المسلسلات والأفلام والمسرحيات نتعلم قيم الحياة النبيلة.. بالحكايات نتخلص من وحشيتنا وعدوانيتنا ونعود بشرآ أسوياء جديرين بالحياة. أنا حزين جدآ لمستوى الدراما في المسلسلات والأفلام والمسرحيات في المنطقة العربية كلها لم يعد أحد يحكي لنا شيئاً جميلاً. أين أنت يا (شهرزاد)؟ . المصدر: مدونة فهد الحربي |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|