الصمت أبلغ كلمة تُقال أمام دموع الجمال

[فهد الحربي]

((الصمت أبلغ كلمة تُقال أمام دموع الجمال))

كان جمالها من ذلك النوع الذي يتحداك بشموخه وروعته فتنحني له بأهدابك في إعجاب وتتحسسه بعينيك في خشوع وإنبهار.
جمال يهزك دون أن يهتز ويحركك دون أن يتحرك من موضعه ويدخلك في جاذبيته فتفتن به وتسبح في فلكه ومداره دون أن تستنجد الا به.
كانت تبدو لي كقصيدة بريه لم تقدرعلى إحتوائها كل دواوين الشعر مجتمعة قصيدة كُتبت بالعطر والضوء والموسيقى.
وقد كنت أحد الذين فتنوا بجمالها وتفننوا في وصفه ولم أكن بهذا أسعى الى مخاطبة ودها بقدر ما كنت أسعى الى مخاطبة الجمال في شخصها وذات يوم جاءت الي تسبق الدموع خطواتها وتسكن اللوعة لفتاتها
وبصوت يذيب الصمت في كأس الهمس قالت لي:
ما رأيك في؟!
وبصدق شديد أجبتها:
أنظري الى المرآة في غرفتك وسوف تدركين من النظرة الأولى أن صورتك أقدر مني على وصفك وأبلغ مني في توصيفك.
تقصد أنني جميلة؟!
أقصد أنك الجمال ذاته يمشي على قدمين.
أجابت : هذا الجمال هو سر تعاستي وشقائي.
انها ضريبة المسؤولية لمن ملكت كل كنوز الدنيا وأخذت تمشي بها وسط الناس فتنة وسحرآ
ان عيون الناس تطاردني أينما ذهبت..أشعر دائمآ بأني سجينه وسط ركام العيون والقلوب..لاأستطيع أن أتحرك أوأتنفس..أوشك على الإختناق في سجن جمالي الذي لايفارقني ابدآ.
ثم أضافت :
ان كل رجل قابلته يتعامل معي كزهرة جميلة ينظر اليها في إنبهار وإعجاب ولكنه لايسعى الى الإقتران منها..إن معشر الرجال لايتزوجون الزهور..اننا قد نسمع عن رجل قام بقطف زهرة أو اشترى باقة زهور..ولكننا لانسمع عن رجل تزوج من زهرة؟
لماذا؟
لأن الزهور تبهر الرجال وتؤرقهم في نفس الوقت..ومعظم الرجال قد يسعون الى الإنبهار بعض الوقت لكنهم لايرتضون لأنفسهم الحياة في أرق طول الوقت..لقد تزوجت أكثر من مرة وكان الفشل هو المحصلة الحتمية لكل هذه الزيجات..لقد أكلت الغيرة أعصاب كل رجل أقترنت به رغم اخلاصي له..كنت أشم رائحة شواء أعصابه مع كل نظرة يوجهها الاخرون الي في كل مكان نذهب اليه معآ وفي النهاية لايتبقى منه الا ورقة.. ورقة طلاقي أنني تعيسه بهذا الجمال الصارخ الذي تحسدني كل النساء عليه..تعيسه جدآ صدقني يافهد
وأنقطع خيط حديثها الدامع فجأة وراحت تلملم حبات اللؤلؤ التي انفرطت فوق وجنتيها..لقد هرب لساني من بين شفتي فجأة ولم أستطع أن أجيبها الا بالصمت..لقد تأكد لي أن الصمت هو أبلغ كلمة تُقال أمام دموع الجمال.