العيد فرحه

[فهد الحربي]

لكل امة اعيادها.. والعيد هوما يعاود مرة اخرى وهذه سنة فطرية عرفها الناس منذ بداية الخليقة تقريبا واصبحت هناك مجتمعات لها ذكريات تربط ما بينها وبين الاحداث خيرها وشرها حلوها ومرها هزائمها وانتصاراتها..
فالعيد هو الواحة الوارفة الظلال التي يضيء اليها الانسان بعد ان اجهدته الحياة فيجد عندها الفرح والسرور.. ومع مرور الايام والسنين تعددت الاعياد وأصبح لكل عيد مناسبته التي من اجلها يقام العيد فهذا لذكرى ميلاد وذاك لذكرى وطنية وغير ذلك من المناسبات.
ففي القدم كانت الاعياد مناسبة يتقرب فيها الناس من الالهة.. كما كانت هناك اعياد قومية كعيد الحصاد وعيد القمح وعيد الفيضان وعيد الشمس.. وقد نظموا فيها قصائدهم.
وحين أشرق نور الاسلام على الكون عرف المسلمون في ايام الرسول عليه الصلاة والسلام عيد الفطر وعيد الاضحى اللذين جاءا بدلا من يومي الجاهلية وعيد الفطر هو من أشهر اعياد المسلمين يجيء بعد اخر يوم من ايام شهر رمضان المبارك يخف الناس في فجره الى المساجد مهنئين بعضهم بعضاً ويؤدون صلاة العيد فرحين مستبشرين وهم يرددون في رهبة وخشوع
الله اكبر.. الله اكبر.. الله اكبر
الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا
وسبحان الله بكرة واصيلا
«لا اله الا الله وحده، صدق وعده ونصر عبده، واعز جنده وهزم الاحزاب وحده».
وعيد الفطر ليس عيدا لانتصار المؤمن على تحديات الشهوات والنزعات الانسانية ولا عيداً للتعاطف والتراحم فحسب وانما هو عيد وضع اللبنة الاولى في بناء الدستور الاسلامي.
وقد احتفل المسلمون بأول عيد للفطر في السنة الثانية بعد اول صيام فرض عليهم وكان العيد في صدر الاسلام يوم تنافس في الخير وتفاضل بالتقوى وتعاون على البر وتواصل بين القلوب بالمؤاخاة.
العيد في الشعر العربي
ولم يظفر عيد الفطر بمكان يتسع لصور العيد في الشعر العربي وندر ان تجد قصيدا بني من اوله إلى آخره في العيد ووصفه وتصوير احساس الناس به وربما كانت علة ذلك في الرجوع الى الاوضاع التي جرى عليها منهج القصيد في الشعر العربي فقد كان الناس اذا اقبل العيد يتسامعون ان ابواب الخلفاء والامراء قد فتحت للشعراء فيذهبون الى تهنئة الخليفة او الامير بالعيد ويملأون القصيد بالمديح للحاكم وليس للعيد فالعيد هنا مناسبة يقال فيها المديح وليس موضوعاً للقصيدة نفسها.
قال ابن الرومي في التهنئة بالعيد:
قد مضى الصوم صاحباً محموداً
واتي الفطر صاحب مودودا
ذهب الصوم وهو يحكيك نسكا
واتي العيد وهو يحكيك جودا
وقال:
رأى العيد وجهك عيدا له
وان كنت زدت عليه جمالا
وكبر حين رآك الهلال
كفرحك حين رأيت الهلالا
رأى منك ما منه ابصرته
هلالا اضاء ووجها تلالا
في الشعر الحديث
ونحن لم نستمع إلى المعاني التي تصور المشاعر الحقيقية للعيد إلا في الادب الحديث حيث لم يعد للشعراء وقفة بباب الخليفة ولا هم ينشدون المديح في حضرة الحاكم.
يقول الشاعر صالح الشرنوبي في قصيدته المسماة (يا عيد):
اشرق على وجه الليالي كوكبا
ضافي الجلال معطر الاضواء
وافض على جدب الحياة صبابة
من كأسك الروحية الصهباء
يا عيد يا أمل السماء اذا دجت
بالحادثات مواسم الغبراء
يا واهب النعماء كم من أكبد
في الأرض ظامئة إلى النعماء
قل لمن ذهب الغنى بعقولهم
فنسوا ضحايا الدهر والارزاء
لا تجعلوا يومي على علاته
حرباً على الايتام والفقراء
يا عيد يا ضيف الزمان اسامع
ام لست تسمع دعوتي وندائي
مازال قومي يحسبونك مثلهم
غرا.. تهيم بزخرف وطلاء
وقال الاديب الدكتور احمد زكي:
الشمس تطلع علينا وتغيب فتصنع الايام سوادا وبياضاً.والقمر يمتلىء ليفرغ ويفرغ ليمتلىء فيصنع لنا الشهور..والارض تدور في مدارها الكبير حول الشمس فتصنع لنا الأعوام كل هذه صنعتها الطبيعة
وجاء الانسان فصنع الأسبوع وكلها اشياء تبدأ لتنتهي..وتنتهي لتبدأ ففي حكم الزمان انه لا يذهب منه ذاهب الا ليعود.
والحياة نفسها ووعاؤها الزمان هي كالزمان تأتي لتذهب وتذهب لتعود ففي كل ظاهرة من ظواهر هذه الطبيعة الجامدة عود وفي كل ظاهرة من ظواهر هذه الطبيعة الحية عيد...
والعيد ما سمي عيدا الا لأنه يعود... والعيد احتفال بالزمان وقد اطلق الله فينا الزمان ينبتنا و يحيينا فاذا اكتملنا كما يكتمل القمر البدر راح الزمان على عادته يتحيف اطرافنا كما يتحيف اطراف البذور فاذا هي اخر الامر عراجين ونحن نحتفل عند انباتها ونحتفل عندما يصوح النبات ثم نعود فنحتفل بنبات جديد.
واليوم يولد فنحتفل به صلاة صباح ... واليوم يموت فنحتفل به صلاة مساء... ويختتم الدكتور احمد زكي بالقول: ان الذي لا يفطن الى معنى الدورة في الاعياد وانها دورة الزمان، يفقد من الاعياد اصدق معانيها.