فريد الأطرش ..الفنان الأصيل

[فهد الحربي]

ولد في جبل الدروز عام 1917..عاش في تركيا حينآ من الزمن مع والده الذي كان حاكماً لقضاء (ديمرجي) في عام 1920 وأمضى بعضآ من طفولته في لبنان ثم أقله قطار العمر إلى القاهرة.
كانت حياته تقتضي السفر من مكان إلى مكان لذا لم يحظ برؤية أبيه كثيراً ولم ينعم بعطفه ودلاله ومنذ أن احتضن (العود) في معهد الموسيقى وصار يعزف عليه وهو يشعر وكأنه ولد من جديد.
ولأن السعاده لحظه من قوة تجعل المرء يعيد النظر في أشياء مختلفه فما أن عاد من معهد الموسيقى حتى قرر هو وشقيقه أن لاتعمل أمهما في (روض الفرج) وأن يعملا كل ما في وسعيهما لمواجهة تكاليف الحياة.
اشتغل كبائع قماش في بادئ الأمر وإحساسه بأنه يعيل أسرة كان يجعله سعيداً ويمنحه قسطاً من الرضى.
ولقد نصحه الموسيقار (رياض السنباطي) أن يفتش عن عمل فني يعبر فيه إلى الجمهور..وفي لقاء خاطف طلب منه المطرب (إبراهيم حموده) الانضمام إلى فرقته للعزف على العود.
وفي ذلك الوقت كان معجبآ بصوت المطرب (محمد العربي) وكان يذهب إلى أحد مقاهي (عماد الدين) ليستمع إليه في مواويله دون أن يدخل إلى المقهى كان يقف على الرصيف إلى أن يأتي صبي المقهى ويطرده هو وكل المستمعين بالمجان.
وفي الطريق إلى البيت كان يتساءل :متى أغني؟ حتى أكون مشهوراً ؟ ويسرع الخطى إلى بيته وآفاق المستقبل تتراءى أمامه كحلم.
فكر(أحمد زكي باشا) شيخ العروبه في إقامة حفلة غنائية يعود ريعها للثوار العرب من الدروز واقترح عليه الصحافي (حبيب جاماتي) أن يغني في هذه الحفله وفي الليلة المنتظرة صعد إلى المسرح والهواجس تفترسه يقول : إنني لا أنكر أن خوفي بلغ حجم المسرح ولكن ما إن مددت يدي إلى العود ورحت أعزف منفرداً حتى أصبحت شجاعتي بحجم المسرح
وكان نصيبه من النجاح كبيراً وكتبت الصحف عنه
كانت ليلة رائعه ولكن هاهي الليالي تقبل كالسحب العابره دون أن يكون له نصيب آخر فيها.
فالكلام الذي سمعه في تلك الليله أدار راسه الصغيروجعله يظن أنه الفارس المنتظر..إذ لابد له من مسرح يعبر من خلاله إلى الناس ولما كان مسرح (بديعة مصابني) في ذلك الوقت هو ملك المسارح الاستعراضيه قرر أن يقابل السيده (بديعه
) وما أن استمعت إليه حتى وافقت على التحاقه مع مجموعة المغنين.
وبعد فترة طلب منها أن يغني بمفرده فوافقت وغنى أول أغنية له بمفرده وهي من كلمات (يوسف بدروس) ونجحت الأغنيه وجاءه خطاب من مدير الإذاعة المصرية يدعوه فيه لمقابلته
وطلب منه أن يعزف على العود للإذاعة مرة في الأسبوع.
وبعد فتره قرر الدخول في أختبار الغناء واستطاع أن ينجح وطار إلى صديقه (يوسف بدروس) ليكتب له أغنية (ياريتني طير) ثم وضع له لحنآ وعاد بالأغنية إلى الإذاعه ووافق مدير الإذاعه ووقع معه عقدآ ينص على الغناء مرتين في الأسبوع.
كانت هذه بداية الموسيقار الكبير الراحل (فريد الأطرش) هي بداية لم تخل من الأشواك والكفاح المستمر والسهر والقلق
لكن الفنان الأصيل لاينهزم أمام الصعاب فهو يندفع إلى تحقيق حلمه دون أن يبالي بشيء.
وطارت شهرة (فريد الأطرش) كمطرب وازدادت هذه الشهرة كملحن حيث غنت له شقيقته المرحومة (اسمهان) بعض الحانه واستمرت شهرته في ازدياد حتى أصبح المطرب الثاني بعد (محمد عبد الوهاب) في ذلك الوقت
وبعد عرض فيلم (انتصار الشباب) عام 1940 ازداد (فريد الأطرش) شهره وأصبح نجمآ لامعآ ومطربآ مشهورآ وتلتها مرحلة أخرى كلها مجد وشهره وتخللتها قصص ملأى بالمآسي والأحزان.
قالوا عنه بعد وفاته :
فقدنا جميعاً فنانا عظيماً وإنساناً كريماً وإني أنعيه إلى الجميع لوفائه وأعزي الفن بخسارته.(يوسف وهبي)

فريد خساره لا تعوض للفن وللوطن العربي
(سامية جمال)

يكفي أنه في القمه منذ أربعين عاماً..لقد بدأ كبيراً وغادرنا كبيراً وقد أعطاني أجمل ألحاني على الإطلاق.
(صباح)
حزني عليه لا يوصف.
المخرج (بركات)

أما أنا فأقول: في ذكرى وفاة هذا المطرب المتألق..وهذا الموسيقار الشرقي الأصيل أن فن فريد الأطرش لم يرحل وأن صوته الحنون مازال يملأ الأسماع ويدغدغ المشاعر
فريد الأطرش رمز كبير من رموز الغناء العربي ونجم لن يطاله الأفول.
لأنه كان عاشقاً لفنه..مخلصآ له..وصادقآ مع نفسه وجمهوره الكبير وستظل أغانيه العذبه..بحب من غير أمل.. بنادي عليك.. أول همسه... الربيع.. نجوم الليل.. حكاية غرامي... وغيرها من روائعه الكثيره ستظل حيه في القلوب وخالده على مر الأيام لأنـها الأصالة الحقه.