عن الصداقة نتحدث

[فهد الحربي]

يحلو للبعض ان يستشهدوا بالحكم والامثال الذائعه لبعض المفكرين الغربيين مثل قولهم: قل لي من هو صديقك اقول لك من انت..أو دعنا لا ننشغل بالكوبري (الجسر) قبل ان نصل اليه..أوقول احدهم مستظرفآ انه يعرف من النساء بعدد شعر رأس برنارد شو ومعروف أنه كان شديد الصلع..ولا اعتراض لدي على هؤلاء البعض..فالفكر الغربي وغيره جزء من تراث الانسانيه.. لكني اود ان استشهد هنا بحديث نبوي شريف يقول: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضه والارواح جنود مجنده فما تعارف منها ائتلف وماتناكر منها اختلف) وقال ايضآ عليه الصلاة والسلام: الرجل على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل)
عن الصداقه والصديق ادعوكم لحديث ودي وهادىء نقلب خلاله صفحات من تراثنا العريق تستوقفنا سطور قالها مفكرون عرب علموا الدنيا منذ مئات السنين وكان شاغلهم كيف تكون انت انسانآ اكثر سعاده في حياتك.. في عملك.. في حبك..في صداقاتك واختيار الاصدقاء؟!
ولقد كان (ابو حيان التوحيدي) المتوفى في اوائل القرن الخامس الهجري هو اول مفكر عربي يضع كتابآ كاملا عن: (الادب والانشاء في الصداقه والصديق) ثم جاء بعده بكثير: (ابن المقفع) ليخصص مقاله هامه في كتابه الادب الكبير لموضوع الصداقه.. ثم جاء (ابن حزم الاندلسي) ووضع رساله مطوله في مداواة النفوس وتهذيب الاخلاق والزهد في الرذائل ومن بعده جاء.. (ابن مسكوية) ليؤلف كتابآ في الاتحاد وحاجة الناس بعضهم لبعض وانواع المحبه..ثم جاء (المواردي) في كتابه ادب الدنيا والدين.. ثم الامام الغزالي وخصص فصلآ كاملآ في كتابه احياء علوم الدين للصداقه بعنوان: كتاب آداب الالفه والاخوه والصحبه والمعاشره مع اصناف الخلق.
من بستان الحكمه عند هؤلاء نختار الآن بعض الآراء لعلها تنفع من يريد من الشباب والفتيات خاصه وان الصداقه تكون هامه لمن هم في عمر الزهوروعلينا ان نساعدهم في اقامة صداقات طيبه وصالحه حتى لا يقعوا في احابيل من يدعون الصداقه وهم من ذوي الغدر والنيات السيئه
ارسطو قال: يتعذر قيام الصداقه في الاحوال التي تكون فيها المسافه بعيدة جدآ بين الاشخاص من جهة الفضيلة والرذيلة.
ابوحيان التوحيدي قال: الصداقه التي تدور بين الرغبه والرهبه شديدة الاستحاله وصاحبها من صاحبه في غرور والزلة فيها غير مأمونه وكسرها غير مجبور.
وابن المقفع قال: اذا اصبح صديقك ذا سلطه رأى ان سلطانه قد زادك له توقيرآ واجلالآ من غير ان يقدر ان يزيده ودآ ولانصحاً ولاتقدر الامور فيما بينك وبينه على شيء مما كنت تعرف من اخلاقه فان الاخلاق مستحيله مع السلطان لأن السلاطين في رأيي (ابن مسكوية): يظهرون الصداقه على انهم متفضلون ومحسنون الى من يصادقهم..
ان الصداقه لا غنى عنها للإنسان العاقل وعلى حسب تعبير الحكماء: ان الصداقه تمتد بقدر مايمتد المجتمع وانه اذا كان العدل والصداقه اساس المجتمع الصالح فانه متى احب الناس بعضهم بعضآ لم تعد حاجة للعدل..غير انهم مهما عدلوا فانهم لاغنى لهم عن الصداقه وهذه الضرورة الاجتماعيه ترتبط بضرورة نفسيه ذلك ان مشاعر المحبه التي تكون الصداقات الحقه للمرء نحواصدقائه يبدو انها تستمد اصلها من مشاعر المرء نحو ذاته.
ولهذا قالوا: ان الصديق هو الذي يعيش معك ويتحد واياك في الانواق والذي تسره مسراتك وتحزنه احزانك..ان صديقنا هو نحن بصورة أخرى وبتعبير جميل.
قال احد الاذكياء عندما يكون الانسان محبوبآ يكون محترمآ والاحترام هو مايرغب فيه اكثر الناس عقلآ والصداقه تقوم على كرم العهد وبذل المال وحفظ الزمام وبذل المعونه وحمل المؤونه وطلاقة الوجه ولطف اللسان والثبات على الثقه.