#1
|
||||
|
||||
![]() ((الصحوة..تجربة يجب ان لاتتكرر)) فهد الحربي في مسيرة المملكة العربية السعودية، تُعد فترة الصحوة واحدة من أكثر المراحل تأثيراً في تشكيل وعي المجتمع ومساره، فقد فرضت حضورها بقوة، ودفعت بالحياة العامة نحو اتجاهات ضيقة اتسمت بالتشدد والانغلاق..لم تكن الصحوة مجرد نزعة دينية، بل مشروع فكري واجتماعي متكامل، أعاد صياغة المشهد الثقافي والسلوكي، حتى أصبح الفرد السعودي يعيش تحت ضغوط منظومة صارمة، تقلص مساحاته الطبيعية في الاختيار والتعبير. انبثقت الصحوة في أواخر السبعينيات، متزامنة مع أحداث كبرى هزت المنطقة، مثل الثورة الإيرانية واقتحام الحرم المكي، وهي وقائع استُغلت لإثارة الخوف وتقديم خطاب متشدد يزعم حماية الهوية، بينما كان في جوهره خطاباً إقصائياً يُحرّم ويجرّم ويُصنّف الناس استناداً إلى مظهرهم وسلوكهم. وقد تصدّر هذا الخطاب مجموعة من الدعاة الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على المجتمع، واحتكروا تفسير الدين، وفرضوا رؤيتهم بإعتبارها الحقيقة المطلقة التي لاتُناقش. تجاوزت تأثيراتهم حدود النصيحة، لتمتد إلى التعليم والإعلام والمجالس العامة وحتى تفاصيل الحياة الخاصة، فظهرت سلسلة طويلة من الفتاوى التي تحظر الفن والموسيقى والسينما والاختلاط والسفر والعمل، حتى تحولت الحياة اليومية إلى شبكة كثيفة من القيود والمحظورات. وكانت المرأة الهدف الأبرز لذلك التيار، إذ فُرضت عليها قيود متعددة، ومنعت من المشاركة، وشُكك في قدراتها، وحُرمت من حقوقها بحجج دينية لاتسندها نصوص صريحة، بل اجتهادات ضيقة متشددة. لم تمثل الصحوة إصلاحاً، بل انحرافاً عن الاعتدال، وعن جوهر الإسلام القائم على الرحمة والتيسير. لقد أنتجت عزلة عن العالم، وغرست ثقافة الريبة والخوف من الجديد، ورسخت صورة نمطية عن المجتمع السعودي بوصفه مجتمعاً مغلقاً، يرفض التعدد، ويضيّق على الحياة، ولايتسع للاختلاف. فأعاقت الإبداع، وجمّدت الطاقات، وأبعدت شرائح مهمة من المجتمع، وفي مقدمتها الشباب والنساء. ومع مرور السنوات، أخذت ملامح الرفض لهذا النموذج في الظهور، وبرزت الحاجة لمراجعة تعيد التوازن وتحرر المجتمع من وصاية الصحوة. وقد عبّر سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان عن ذلك بوضوح حين قال :السعودية لم تكن كذلك قبل عام 1979، السعودية والمنطقة كلها انتشر فيها مشروع الصحوة بعد عام 1979، لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها اليوم، فنحن لم نكن بهذا الشكل سابقاً، نحن فقط نعود لما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم ). لم تكن هذه الكلمات مجرد توصيف، بل إعلان عن بداية جديدة تعيد المملكة إلى مسارها الأصيل، وتؤسس لمرحلة تقوم على الاعتدال والانفتاح. . إن التحول الذي تعيشه المملكة اليوم ليس خروجاً عن الدين بل استعادة للفطرة، ولاقطيعة مع القيم بل عودة إلى الإسلام المتسامح الذي كان السعوديون يعرفونه قبل الصحوة دين يحتفي بالحياة، ويصون الكرامة، ويشجع على العلم والفن..واليوم تعود المملكة لتبني هويتها على التعدد والاحترام والانفتاح على العالم. مايجري اليوم ليس مجرد إصلاحات شكلية، بل هو إعادة صياغة للوعي، وتحرير للخطاب، وتشييد لمرحلة جديدة تضع الإنسان في قلب التنمية، وتفتح أمامه أبواب الإبداع..فتمكين المرأة، وتطوير الترفيه، وتحديث التعليم ليست خطوات معزولة، وإنما تعبير عن رؤية وطنية شاملة تسعى إلى بناء مجتمع متكامل، يواكب العصر، ويستثمر طاقات أبنائه، ويعبر عن أصالته. لقد كانت الصحوة، بما حملته من انغلاق، عقبة أمام تطور المجتمع وانفتاحه على ذاته وعلى العالم. واليوم، تُقرأ تلك المرحلة بوصفها تجربة يجب تجاوزها وفهم أسبابها وتفكيك خطابها، حتى لاتُستعاد..فالمجتمع السعودي يستحق حياة متوازنة، تُضيئها القيم وتُثمر فيها الطموحات وتعكس هويته وإنسانيته. إن كلمة الأمير محمد بن سلمان لم تكن مجرد إعلان، بل كانت بداية فصل جديد يتجاوز مرحلة التشدد، ويؤسس لعصر الاعتدال والتسامح والانفتاح، عودةً إلى الإسلام الحقيقي الذي لايقصي ولايحرم الحياة، بل يحتضنها ويجعل الإنسان شريكاً في صناعة وطنه ومستقبله. |
![]() |
|
|