#1
|
||||
|
||||
![]() نجد موطن الحرف الأصيل حين نتحدث عن قلب الجزيرة العربية، فإننا لانبالغ إن جعلنا الحديث موجهاً إلى نجد، تلك الأرض التي تتوسط المملكة العربية السعودية وتحتضن عاصمتها النابضة بالرياض، مدينة التاريخ والحياة والتطور. نجد ليست مجرد جغرافيا جامدة، إنها ذاكرة حية تعكس حضارة أمة، وتفيض بالأدب وتزدهر بالشعر، حتى وإن كانت الأضواء غالباً ما تُسلط على الحجاز أو بغداد أو الشام عند الحديث عن الأدب العربي. والحقيقة أن نجد ليست غائبة كما يُظن، بل كانت ولاتزال حاضرة بعمق في وجدان الشعراء والمؤرخين واللغويين منذ أقدم العصور. لقد كانت نجد موطناً لقبائل وممالك كبيرة، تركت بصماتها في صفحات التاريخ العربي وارتبط ذكرها بجذور الهوية العربية..فمن كندة وتنوخ إلى طسم وجديس، ومن بني حنيفة وبني تميم إلى هوازن وغطفان وطيء وبني عامر، وغيرهم من القبائل التي شكلت النسيج الاجتماعي والثقافي للمنطقة..هذه القبائل لم تكن مجرد تجمعات إنسانية، بل مثلت مدارس لغوية وحاضنات للشعر والحكمة، ومنها خرج فحول الشعراء الذين خلدتهم قصائدهم، وما زال صداها يتردد حتى يومنا هذا في كتب الأدب العربي. ولعل أبرز ما يميز نجد هو حضورها الطاغي في الشعر الجاهلي..فقد تغنى بها كبار الشعراء، وتوقفوا عند معالمها، وعاشوا فيها أو مرّوا بها، فأصبحت وديانها وتلالها وديارها مسارح للقصائد ومواطن للذكريات..حتى ياقوت الحموي أقر قائلاً: لم يذكر الشعراء موضعاً كما ذكروا نجد، ولم يتشوقوا لأرض كما تشوقوا إليها..وعلى هذه الأرض وطئت أقدام امرؤ القيس في القصيم، وطرفة بن العبد في يبرين، وزهير بن أبي سلمى في عقلة الصقور، ولبيد بن ربيعة في عالية نجد، وعنترة بن شداد في عيون الجواء، وعمر بن كلثوم في حفر العتش، والحارث بن حلزة في ملهم، والأعشى في منفوحه، والنابغة الذبياني في عقلة الصقور، وعلقمة الفحل في ثرمداء، والمتلمس الضبعي في القرينة، وجرير في أثيثية، والفرزدق في حفر الباطن، وابن دُمينة في تثليث، والحطيئة في الزلفي، والراعي النميري في ضرماء، وذو الرمة في الدهناء، ومالك بن الريب بين القصيم واليمامة، ويحيى بن طالب في البرة. لم تكن هذه الأسماء اللامعة مجرد شخصيات ورد ذكرها في كتب التراث، بل كانت شهوداً على جمال نجد وثرائها الثقافي وقيمتها التاريخية. قصائدهم لم تكن أبياتاً يتسلون بها، بل كانت اعترافاً بجمال الأرض وتقديراً لفضلها وحنيناً صادقاً لاينقطع إليها..حتى إن بيت الشاعر ابن دُمينة الشهير: (ألا ياصبا نجد متى هجت من نجد لقد زادني مسراك وجداً على وجد) أصبح رمزاً خالداً يتحدث لغة الشوق والحنين، ويجسد ما كانت تمثله نجد للشعراء والعاشقين والأدباء من مصدرٍ للوجدان ومنبعٍ للقصائد التي لاتموت. .إن الحديث عن نجد ليس مجرد استعراض لأسماء شعراء أو ذكر لمراحل في الأدب، بل هو استدعاء لذاكرة أمة بأسرها، واحتفاء بجغرافيا صنعت الأدب وحفظت اللغة واحتضنت الشعراء. نجد ليست هامشاً على صفحات التاريخ، بل متنٌ أصيل من متونه، ومصدر افتتان لكل من قرأ الشعر العربي أو عاش بين ربوع الجزيرة العربية. |
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
موطن, الأصيل, الحرف |
|
|