عندما قتل الحمق الاديب الروسي الكسندر بوشكين

[فهد الحربي]

كان بوسع الشاعر العربي الكبير أبو الطيب المتنبي أن يهرب فينجو بنفسه من الهلاك لكنه تذكر بيت الشعر الذي يقول فيه:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم

فغلب عليه الفخر وقال قولته المشهوره: (والله لا أرضى أن يتحدث الناس بأنني سرت في خفارة شيء غير سيفي))
فأعمل المتنبي فيهم سيفه لكنهم تغلبوا عليه وقتلوه.
وكما قتل (الفخر) المتنبي كذلك قتل (الحمق) الشاعر الأديب الروسي (الكسندر بوشكين) وإليكم حكايته:
وهو في ال11 من عمره حفظ عن ظهر قلب كل الروائع الأدبيه الفرنسيه التي قراها وبعد سنوات قليله أصبح من أكبر شعراء روسيا ..ولأن شعره كان يتناول قضية الحريه فقد انتشر بين الناس وقد هامت في حبه فتاة جميله إلا أنـها لم تفصح له عن مشاعرها لأنـها خشيت أن لا تلقى قبولآ لديه فهو شاعر ذائع الصيت وهي فتاة فقيره ويتيمة الأبوين وقد سقطت في براثن (بنات الهوى) وكانت تتوق للتوبه من هذه المهنه.
لكن (بوشكين) بادلها الحب وأشفق عليها لأنه كان يحب امرأة أخرى رائعة الجمال تدعى (الكونتس جروتشا) رغم ذلك فقد تخلت الفتاة الفقيرة (روزا) عن تلك المهنه الشائنه من أجله وعاهدت نفسها على حب (بوشكين) حتى آخر العمر وكان ينفق أموالاً طائله على محبوبته الجميله (الكونتس) وعندما ينفذ ماله يسارع إلى (روزا) ويقترض منها مالآ ليعطيه إلى تلك الجميله.
ويقول (بوشكين) في اعترافاته التي دونـها الكاتب (حديوي حلاوه) في كتابه (المرأة في حياة الشعراء والأدباء): ناولتني (روزا) كل ما تملك ثم فاضت عيناها بالدموع ذكرتني بماضيها الأسود وحاضرها المفجع والمستقبل المظلم الذي ينتظرها إذا أنا أنكرتها في الغد وخدعتها ولم أرد إليها مالها ولم أتزوجها..ولكني هونت عليها وطيبت خاطرها ووعدها بالاقتران بها قريبآ فتهلل محيا الفتاة وطفقت ترد بصوت ممزق متحشرج خنقته العبرات: (لاتتخلى عني بعد أن أنقذتني أريد أن أصبح زوجتك وأؤكد توبتي واسترد أمام الله والناس شرفي ومكانتي)
وكان صوتها الممزق يمزقني فوضعت المال في جيبي ونظرت إليها نظرة طويله ثم شكرتها وانصرفت.
وبدأت هذه المشاعر تتحرك في قلبي وتتراكض في فكري وتوشك أن تنطلق من صدري في قصائد من الشعر النابض الحي ولكني كلما هممت بالكتابه كبر علي أن أسجل في شعري إحساسي العميق بالخزي والعار فكنت ألقي بالقلم جانبآ واخنق عواطفي وأظل هائمآ في الشوارع التمس متنفسآ لضميري ولكن من غير جدوى على ان هذه الأيام المبرحه لم تحل بيني وبين الذهاب إلى (الكونتس) كان حبي أقوى من ضميري..وأملي أقوى من رحمتي..وكبريائي أقوى من شهامتي ..فأعرضت عن
( روزا) ولم أزرها ثلاثة أسابيع كامله واندفعت أنفق مالها على (الكونتس) التي لم تكن تبادلني الحب بعد..وقد أدهش ( روزا) احتجابي وأقلقها إعراضي وبدأت تبحث عني وتحاول أن تعرف أين أنفق مالها وعلى من أنفقه إلا أنني لم أحفل بها ونسيتها تماما وكنت منصرفآ إلى (الكونتس) أجاهد كي أحطم ثباتها وجفاءها ولكني بدلآ من أن أبغض ( لكونتس) التي احتالت علي وهزأت بي وأعرضت عني.. أمعنت في حبها وتهالكت عليها وصرت أقنع منها حتى بالنظر ومع ذلك فقد رضيت بذلي وكنت سعيداً بوجودي معها وحين علمت (روزا) أنه لن يتزوجها وأنه يحب غيرها وليس بوسعه أن ينساها اندفعت نحو القصر وقد انطلق (بوشكين) في أثرها حاول أن يثنيها عن عزمها لكنها اقتحمت باب الحديقه وحين أبصرت (الكونتس) قذفت وجهها بالماء الكاوي....حكم على (روزا) بالسجن سبع سنوات أما (الكونتش) فقد ضاع جمالها وتشوه وجهها وانتهت حياتها الاجتماعيه وارتمى (بوشكين) في أحضان الشعر لكنه لم يستمر على ذلك طويلاً فقد تزوج من فتاة حسناء تدعى ( ناتاليا) ولسوء حظه فقد كانت سببآ في انتصار اعدائه عليه وعلى رأسهم القيصر وقد تعرفت زوجته (ناتاليا) على شاب جميل وأحبته وكان (بشكين) قد شعر بذلك فطلب من الشاب أن يبارزه وحاول أصدقاء (بوشكين) منعه من هذه المبارزه فلم يستطيعوا وانتهت المبارزه بمقتل (بوشكين) وكان في ال38 من عمره

كان بوسع ( بوشكين) عدم المجازفة بمبارزة الشاب لأن زوجته (ناتاليا) لم تكن لتستحق أن يخاطر بحياته من أجلها لكنه الحمق الذي ركب رأسه فأودى بحياته وهو في ريعان الشباب أو لنقل ظلمه للفتاه (روزا) .